سورة الجن - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الجن)


        


{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: التقدير: قل أوحي إلي أن المساجد لله، ومذهب الخليل أن التقدير: ولأن المساجد لله فلا تدعوا، فعلى هذا اللام متعلقة، (بلا تدعوا، أي) فلا تدعوا مع الله أحداً في المساجد لأنها لله خاصة، ونظيره قوله: {وَإِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ} على معنى، ولأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون، أي لأجل هذا المعنى فاعبدون.
المسألة الثانية: اختلفوا في المساجد على وجوه:
أحدها: وهو قول الأكثرين: أنها المواضع التي بنيت للصلاة وذكر الله ويدخل فيها الكنائس والبيع ومساجد المسلمين، وذلك أن أهل الكتاب يشركون في صلاتهم في البيع والكنائس، فأمر الله المسلمين بالإخلاص والتوحيد.
وثانيها: قال الحسن: أراد بالمساجد البقاع كلها قال عليه الصلاة والسلام: «جعلت لي الأرض مسجداً» كأنه تعالى قال: الأرض كلها مخلوقة لله تعالى فلا تسجدوا عليها لغير خالقها.
وثالثها: روي عن الحسن أيضاً أنه قال: المساجد هي الصلوات فالمساجد على هذا القول جمع مسجد بفتح الجيم والمسجد على هذا القول مصدر بمعنى السجود.
ورابعها: قال سعيد بن جبير: المساجد الأعضاء التي يسجد العبد عليها وهي سبعة القدمان والركبتان واليدان والوجه، وهذا القول اختيار ابن الأنباري، قال: لأن هذه الأعضاء هي التي يقع السجود عليها وهي مخلوقة لله تعالى، فلا ينبغي أن يسجد العاقل عليها لغير الله تعالى، وعلى هذا القول معنى المساجد مواضع السجود من الجسد واحدها مسجد بفتح الجيم.
وخامسها: قال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: يريد بالمساجد مكة بجميع ما فيها من المساجد، وذلك لأن مكة قبلة الدنيا وكل أحد يسجد إليها، قال الواحدي: وواحد المساجد على الأقوال كلها مسجد بفتح الجيم إلا على قول من يقول: إنها المواضع التي بنيت للصلاة فإن واحدها بكسر الجيم لأن المواضع والمصادر كلها من هذا الباب بفتح العين إلا في أحرف معدودة وهي: المسجد والمطلع والمنسك والمسكن والمنبت والمفرق والمسقط والمجزر والمحشر والمشرق والمغرب، وقد جاء في بعضها الفتح وهو المنسك والمسكن والمفرق والمطلع، وهو جائز في كلها وإن لم يسمع.
المسألة الثالثة: قال الحسن: من السنة إذا دخل الرجل المسجد أن يقول لا إله إلا الله لأن قوله: {فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ الله أَحَداً} في ضمنه أمر بذكر الله وبدعائه.
النوع الرابع: من جملة الموحى قوله تعالى:


{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19)}
اعلم أن عبدالله هو النبي صلى الله عليه وسلم في قول الجميع، ثم قال الواحدي: إن هذا من كلام الجن لا من جملة الموحى، لأن الرسول لا يليق أن يحكي عن نفسه بلفظ المغايبة وهذا غير بعيد، كما في قوله: {يَوْمٍ يُحْشَرُ المتقين إِلَى الرحمن وَفْداً} [مريم: 85] والأكثرون على أنه من جملة الموحى، إذ لو كان من كلام الجن لكان ما ليس من كلام الجن. وفي خلل ما هو كلام الجن مختلاً بعيداً عن سلامة النظم وفائدة هذا الاختلاف أن من جعله من جملة الموحى فتح الهمزة في أن، ومن جعله من كلام الجن كسرها، ونحن نفسر الآية على القولين، أما على قول من قال: إنه من جملة الموحى فالضمير في قوله: {كَادُواْ} إلى من يعود؟ فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: إلى الجن، ومعنى {قَامَ... يَدْعُوهُ} أي قام يعبده يريد قيامه لصلاة الفجر حين أتاه الجن، فاستمعوا القراءة {كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً}، أي يزدحمون عليه متراكمين تعجباً مما رأوا من عبادته، واقتداء أصحابه به قائماً وراكعاً، وساجداً وإعجاباً بما تلا من القرآن، لأنهم رأوا مالم يروا مثله، وسمعوا ما لم يسمعوا مثله والثاني: لما قدم رسول الله يعبد الله وحده مخالفاً للمشركين في عبادتهم الأوثان، كاد المشركون لتظاهرهم عليه وتعاونهم على عداوته يزدحمون عليه والثالث: وهو قول قتادة: لما قام عبدالله تلبدت الإنس والجن، وتظاهروا عليه ليبطلوا الحق الذي جاء به ويطفئوا نور الله، فأبى الله إلا أن ينصره ويظهره على من عاداه، وأما على قول من قال: إنه من كلام الجن، فالوجهان أيضاً عائدان فيه، وقوله: {لِبَداً} فهو جمع لبدة وهو ما تلبد بعضه على بعض وارتكم بعضه على بعض، وكل شيء ألصقته بشيء إلصاقاً شديداً فقد لبدته، ومنه اشتقاق هذه اللبود التي تفرش ويقال: لبدة الأسد لما يتلبد من الشعر بين كتفيه، ومنه قول زهير:
(لدى أسد شاكي السلاح مقذف) *** له لبد أظفاره لم تقلم
وقرئ: {لِبَداً} بضم اللام واللبدة في معنى اللبدة، وقرئ {لِبَداً} جمع لابد كسُجِّد وساجد. وقرئ أيضاً: {لِبَداً} بضم اللام والباء جمع لبود كصبر جمع صبور، فإن قيل: لم سمي محمداً بعبدالله، وما ذكره برسول الله أو نبي الله؟ قلنا: لأنه إن كان هذا الكلام من جملة الموحى، فاللائق بتواضع الرسول أن يذكر نفسه بالعبودية، وإن كان من كلام الجن كان المعنى أن عبدالله لما اشتغل بعبودية الله، فهؤلاء الكفار لم اجتمعوا ولم حاولوا منعه منه، مع أن ذلك هو الموافق لقانون العقل؟.


{قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20)}
قرأ العامة (قال) على الغيبة وقرأ عاصم وحمزة، {قُلْ} حتى يكون نظيراً لما بعده، وهو قوله: {قُلْ إِنّى لاَ أَمْلِكُ} [الجن: 21] {قُلْ إِنّى لَن يُجِيرَنِى} [الجن: 22] قال مقاتل: إن كفار مكة قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك جئت بأمر عظيم وقد عاديت الناس كلهم، فارجع عن هذا فأنزل الله: {قُلْ إِنَّمَا ادعوا رَبّى} وهذا حجة لعاصم وحمزة، ومن قرأ {قَالَ} حمل ذلك على أن القوم لما قالوا ذلك، أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: {إِنَّمَا أَدْعُو رَبّى} فحكى الله ذلك عنه بقوله: {قَالَ} أو يكون ذاك من بقية حكاية الجن أحوال الرسول لقومهم.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9